عاجل

التسليم الفوري في سوق العقارات.. وهم تسويقي أم خدمة حقيقية؟

رغم ما يشهده السوق العقاري المصري من توسع ملحوظ في حجم الطروحات والمشروعات، إلا أن شعار “التسليم الفوري” الذي أصبح يتصدر الحملات الإعلانية لعدد كبير من المطورين بات مثار تساؤلات وشكوك بين العملاء.

فبينما تُروج بعض الشركات لوحدات سكنية تُسلّم فورًا، يكتشف المشتري عند الاستلام أن الوحدة بلا مرافق، والمشروع لا يزال يفتقر إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية التي تجعل الحياة ممكنة على أرض الواقع.

وأكد عدد من الخبراء والعاملين في القطاع أن ما يُقدَّم في كثير من الحالات هو تسليم “صوري”، يقتصر على منح المفتاح للعميل داخل مشروع غير مؤهل للسكن، وهو ما يُعد، حسب وصفهم، “خداعًا تسويقيًا” أكثر منه التزام حقيقي بمعايير الجودة والتسليم.

ولفت الخبراء، إلى أن غياب الضوابط الرقابية، وتفاوت قدرة المطورين على التنفيذ الفعلي، أسهم في انتشار هذه الظاهرة التي أضرت بثقة العملاء في السوق.

قال رياض العادلي المدير التنفيذي لشركة نكست دور للتسويق والاستشارات العقارية، إن السوق العقاري شهد في الآونة الأخيرة انتشارًا واسعًا لاستخدام مصطلح “التسليم الفوري”، الذي أصبح وسيلة تسويقية تعتمد عليها كثير من الشركات لجذب العملاء، دون أن تعني بالضرورة أن الوحدة العقارية جاهزة فعليًا للسكن والاستخدام.

أضاف أن المنتج العقاري الذي يُقدَّم تحت بند “التسليم الفوري” ليس في كل الأحوال تسليمًا فعليًا لوحدة صالحة للسكن، بل في أحيان كثيرة يكون تسليمًا شكليًا فقط.

اقرأ أيضا: مسوقون: استراتيجية التسويق العقارى تغيرت بعد “رأس الحكمة”

وتابع العادلي: “الوحدة التي تُسلم للعميل يجب أن تكون جاهزة بالكامل من حيث التشطيبات والمرافق، وتقع ضمن مشروع مكتمل الخدمات والبنية التحتية، ولكن في الواقع، يتم تسليم وحدات غير مؤهلة للسكن، وتفتقر لأبسط المرافق، وقد يحتاج العميل إلى انتظار عدة سنوات حتى تصبح قابلة للاستخدام”.

ولفت إلى أن مثل هذة المخالفات تتسبب في اهتزاز ثقة العملاء ، خاصةً عندما يكتشف المشترون أن وحداتهم غير جاهزة للسكن رغم وعود التسليم الفوري، مشددًا على أن زيارة الوحدة ومعاينتها قبل الشراء أمر لا غنى عنه.

أشار العادلي، إلي أن الاعتماد الكبير على بيع الوحدات “أوف بلان” من ضمن الأسباب الرئيسية للأزمة، نتيجة ضعف السيولة لدى بعض الشركات، إضافة إلى أن بعض المناطق لا تزال تفتقر للبنية التحتية والخدمات الأساسية، مما يجعل من الصعب تسليم الوحدات جاهزة فعليًا.

وأكد أهمية وضع ضوابط قانونية لضمان حق العميل، لافتا إلي أن العقود عادةً ما تتضمن تاريخ التسليم فقط، دون الإشارة إلى صلاحية الوحدة للاستخدام، ما يمثل ثغرة قانونية يستغلها بعض المطورين.

ودعا العادلي، إلى تدخل جهاز حماية المستهلك، ومراقبة الإعلانات والعقود، ومحاسبة من يضلل العملاء بعروض تسويقية غير دقيقة.

أوضح المدير التنفيذي لشركة نكست دور للتسويق والاستشارات العقارية، أن بعض شركات التسويق العقاري تروج لمصطلح “تسليم فوري” دون توضيح الفرق بين الاستلام الفعلي وصلاحية السكن، ويقع العميل ضحية هذا الغموض، مشيرًا إلى أن بعض المطورين يتغاضون عن تصحيح هذه المفاهيم لأنهم مستفيدون من إتمام عمليات البيع.

أضاف أن الطلب الحقيقي على الوحدات الجاهزة للاستخدام لا يزال مرتفعًا جدًا، لكنه غير ملبّى بالشكل الكافي، وهو ما يستوجب من المطورين أن يتجهوا بشكل أكبر إلى تنفيذ وتسليم وحدات مشطبة وجاهزة للسكن لتلبية هذا النوع من الطلب.

أضاف أن المشروعات المشطبة بالكامل هي الأكثر جذبًا للعملاء في الوقت الحالي، ويتم بيعها بسرعة وبأسعار جيدة، داعيًا الشركات إلى تطوير هذا النوع من المنتجات العقارية بما يتماشى مع احتياجات السوق وتفضيلات المستهلكين.

عبدالمنعم: بعض الشركات تربط التسليم بشروط تعجيزية منها استكمال 70% من قيمة الوحدة

وقال إبراهيم عبد المنعم، رئيس شركة يونايتد كونسالتنج للتسويق العقاري، إنه في ظل التنافس الشديد بين المطورين العقاريين في السوق المصرية، ظهرت خلال السنوات الماضية موجة كبيرة من الترويج لوحدات تحت شعار “الاستلام الفوري” .. لكن ما يتم تقديمه على أرض الواقع غالبًا ما يختلف تمامًا عن وعود الإعلانات.

أضاف أن مفهوم “الاستلام الفوري” غالبًا ما يُستخدم كأداة ترويجية لجذب العملاء، رغم أن عدد الوحدات الجاهزة فعليًا قد يكون محدودًا للغاية مقارنة بحجم المشروع الكلي.

أضاف: “بعض الشركات تكتب في العقود تاريخ تسليم معين، ولكن يتم ربط التسليم بشروط تعجيزية مثل استكمال 70% من قيمة الوحدة، رغم أن أنظمة السداد تكون موزعة على 10 أو 12 سنة”.

وأشار إلي أنه يتم إدراج بنود قانونية مثل الظروف القهرية كذريعة لتأجيل التسليم دون التزام واضح .

لفت عبد المنعم، إلي أن هناك شركات تعتمد على الحيل القانونية في صياغة العقود، بحيث تُدرج جملة مثل: “يتم التسليم في حال اكتمال نسبة معينة من المدفوعات أو إذا لم تحدث ظروف استثنائية”، ما يسمح بتمديد فترة التسليم بشكل غير مباشر .

وفي بعض الحالات، تسلِّم الشركات وحدات دون بنية تحتية مكتملة، مثل الطرق أو الأسانسير أو اللاندسكيب، بحجة أن الوحدة جاهزة للسكن، في حين أن البيئة المحيطة غير مؤهلة للحياة اليومية. وهذه الخدمات قد تستغرق سنوات لاستكمالها .

أشار رئيس شركة يونايتد كونسالتنج للتسويق العقاري، إلى وجود حالات أكثر خطورة، إذ قامت بعض الشركات بجمع مقدمات وشيكات من العملاء، ثم سُحبت منها الأراضي نتيجة مخالفات، ما دفعها لتحويل العملاء قسرًا إلى مشروعات أخرى دون رغبتهم.

وتابع :” المنافسة اليوم لا تُبنى فقط على جودة المنتج أو السعر، بل على المصداقية والشفافية، والعميل في 2025 أكثر وعيًا وثقافة، ويمتلك القدرة على التحقق من وعود الشركات عبر السوشيال ميديا أو التواصل مع عملاء سابقين”.

ولفت إلي أن المطور الذي يروّج لعروض وهمية أو شروط غير واقعية سيخسر ثقة السوق على المدى الطويل.

حسونة: لا توجد ضوابط حقيقية ..وعروض التسليم الفوري تعكس أزمة أعمق في السوق

وقال مهاب حسونة رئيس مجلس إدارة شركة سفن فيجرز للتسويق العقاري، إنه في ظل الترويج المتزايد من قبل شركات التطوير العقاري في مصر لمفهوم “التسليم الفوري”، تبرز فجوة كبيرة بين الوعود التسويقية والواقع الفعلي على الأرض.

أضاف أن كثيرًا من المطورين يعلنون عن تسليم فوري بينما الوحدات تفتقر لأبسط متطلبات السكن الحقيقي مثل الخدمات والمرافق الأساسية، فضلًا عن كون المناطق نفسها غير مؤهلة للمعيشة.

وأوضح أن التسليم الفوري الحقيقي يجب أن يعني أن المشروع يقع في منطقة صالحة للسكن، والوحدة كاملة المرافق والخدمات، وجاهزة للاستخدام الفوري، لا أن يتسلم العميل “مفتاح شقة” في مبنى غير مأهول وفي بيئة عمرانية غير مكتملة.

أضاف: “ما يحدث حاليًا هو أن بعض الشركات تكتفي بتشطيب الواجهة الخارجية وتسليم مفاتيح فقط، دون أن تكون المنطقة نفسها مؤهلة للسكن، وهو ما يخدع العملاء، خاصة من لا يملكون خبرة في التقييم العقاري”، مؤكدا أنه لا توجد في مصر حتى الآن منظومة حكومية تضمن التزام الشركات بمواعيد التسليم أو المعايير المعلنة.

أضاف: “لا توجد ضوابط حقيقية تحكم القطاع، والسوق العقارية تتجه نحو الانحدار منذ أكثر من 10 سنوات، والمشكلة كلها تقع على العميل ،لأنه يجب أن يرى بعينه ويتحقق بنفسه”.

واعتبر أن التسليم الفوري ، أداة تنافسية تسويقية تستخدمها الشركات في مواجهة تباطؤ حركة البيع، لافتا إلي أنه يعكس أزمة أعمق في السوق، تتعلق بغياب معايير واضحة تُلزم الشركات بتسليم وحدات قابلة للاستخدام الفوري وليس فقط الشكل الخارجي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى