البحر الأحمر.. انطلاقة جديدة للاستثمار العقاري

تشهد منطقة البحر الأحمر المصرية ، نقلة غير مسبوقة على صعيد الاستثمار العقاري، مدفوعة بتوجه حكومي واضح لتخصيص أراضٍ استراتيجية وتطوير بنية تحتية قوية، في مقدمتها مشروع القطار الكهربائي السريع الذي سيربط القاهرة بالغردقة في نحو ساعتين فقط.
ويرى مطورون وخبراء ، أن هذه الخطوات أسهمت في تحفيز شركات التطوير العقاري الكبرى على التوسع بالمنطقة، وأنه سيتحول تدريجيًا إلى وجهة للاستثمار العقاري المستدام، بفضل المناخ المعتدل والبنية التحتية المتطورة وانخفاض تكاليف المعيشة مقارنة بالوجهات العالمية.
وأكدوا على أن استمرارية النجاح في البحر الأحمر تتطلب تقديم منتج عقاري يلائم طبيعة الطلب، إلى جانب حوافز واضحة للمستثمرين وتيسير الإجراءات البيروقراطية لدعم انطلاقة جديدة نحو التنمية الساحلية المتكاملة.
قال أيمن عامر، المدير العام لشركة سوديك للتطوير العقاري، إن منطقة البحر الأحمر مقبلة على طفرة عقارية من نوع خاص، في ظل الاهتمام الحكومي المتزايد وتخصيص أراضٍ استراتيجية لتنفيذ مشروعات تنموية ضخمة.
أضاف أن ثمة عوامل عدة أسهمت في زيادة الإقبال على الاستثمار العقاري بالمنطقة، على رأسها التحسن الكبير في البنية التحتية، خاصة في قطاع النقل.
أضاف أن مشروع القطار الكهربائي السريع سيسهم في تقليص زمن الرحلة بين القاهرة والغردقة إلى نحو ساعتين فقط، بدلاً من خمس أو ست ساعات، وهو ما يُعد تحولًا جذريًا في سهولة الوصول إلى البحر الأحمر.
وتابع عامر: “كنا نصنف البحر الأحمر دومًا كخيار ثالث للمصريين في شراء العقارات، بعد الساحل الشمالي ومناطق القاهرة الكبرى، لكن اليوم بات في طريقه ليصبح ضمن فئة المنزل الثاني ، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة أمام الشركات العقارية والمستثمرين”.
وشدد على أن الطلب العقاري في البحر الأحمر لا يقتصر على الأجانب فقط، بل أصبح يجذب المصريين أيضًا، لافتا إلي حجم التنمية العمرانية التي تشهدها المنطقة خاصة في قطاعي السياحة والتطوير العقاري.
أكد مدير عام سوديك، أن المشروعات العقارية في البحر الأحمر تمتاز بالجاذبية وتحقيق عوائد جيدة، خاصة في ظل التكامل بين القطاعين السكني والسياحي.
وأشار إلى أن معيار النجاح الحقيقي لا يكمن فقط في حجم المبيعات، بل في الاستمرارية والربحية، مع ضرورة تقديم منتج عقاري يتوافق مع طبيعة الطلب المحلي ونوعية العميل المستهدف، والتي تختلف عن عميل الساحل الشمالي.
وكشف عامر أن شركته تدرس حاليًا التوسع في عدد من المناطق، من بينها البحر الأحمر، إلى جانب خطط موازية في الساحل الشمالي وغرب وشرق القاهرة، ضمن استراتيجية مدروسة لتوسيع محفظة الأراضي وتنويع المواقع الاستثمارية خلال الفترة المقبلة.
فوزي: تنوع المنتجات يجذب الأجانب ويدعم تصدير العقار
وقال المهندس فتح الله فوزي، رئيس لجنة التطوير العقاري بجمعية رجال الأعمال المصريين، إن توسع الشركات العقارية في البحر الأحمر سيجذب شريحة من العملاء من أصحاب الدخول المرتفعة في أوروبا ودول الخليج ومصر، الباحثين عن وحدات فاخرة مطلة على البحر تناسب الإقامات الطويلة أو العطلات الممتدة.
أضاف أن توفير منتجات عقارية تتوافق مع احتياجات السائح الأجنبي يشكل عامل جذب قوي للتملك، بما يخدم استراتيجية تصدير العقار وتعزيز موارد الدولة من النقد الأجنبي.
وأوضح فوزي، أن المشروعات العقارية الجديدة تستفيد من السمعة السياحية الراسخة لمدينتي الغردقة وشرم الشيخ على الخريطة العالمية، خاصة في ظل وفرة الأراضي الساحلية والتيسيرات المتاحة للمستثمرين.
واستبعد فكرة وجود منافسة مباشرة مع المشروعات السياحية في الجهة المقابلة بالسعودية، مؤكدًا أن مصر تمتلك خبرات متراكمة ووجودًا قويًا على خريطة السياحة الدولية منذ عقود.
اقرأ أيضا: رهان على توسعات الساحل الشمالي لإنعاش المقاولات ومواد البناء
لفت فوزي، إلى أن العميل الأوروبي يرى في البحر الأحمر وجهة رئيسية خلال فصل الشتاء بفضل أجواء المنطقة المعتدلة، في حين يفضل العملاء العرب والخليجيون التوجه خلال الشتاء إلى الساحل الشمالي هربًا من درجات الحرارة العالية.
وتوقع أن تشهد المنطقة تحولًا نوعيًا من الاعتماد الكامل على الفنادق إلى تنوع أكبر في المنتجات العقارية، يشمل منتجعات خاصة ووحدات سكنية مخصصة للإيجار أو التملك طويل الأجل، لا سيما مع تزايد طلب السائحين الأوروبيين على الإقامة في وحدات خاصة بدلًا من الفنادق.
ولفت فوزي، إلى أن ثمة اهتماما متزايدًا من الأجانب بشراء عقارات في مصر، باعتبارها وجهة شتوية دافئة وآمنة، في ظل دعم حكومي واضح لهذا الاتجاه من خلال تطوير البنية التحتية من مطارات وطرق وخدمات.
كما أكد أن دخول شركات إماراتية إلى السوق العقاري في البحر الأحمر قد يكون بداية لدخول شركات دولية أخرى بنفس مستوى الجودة، وهو ما يتماشى مع خطة الدولة لتعزيز الاستثمار السياحي ومضاعفة عدد الغرف الفندقية.
ولفت إلي أن توجه المطورين العقاريين نحو منطقة البحر الأحمر ليس جديدًا، بل يمثل تطورًا طبيعيًا لاهتمام طويل الأمد يعود لثلاثة عقود، مستدلًا بمشروعات كبرى مثل الجونة، وسوما باي، وسهل حشيش، التي رسّخت مكانة المنطقة كوجهة استثمارية وسياحية واعدة.
كوتي: استمرار البيع بالجنيه لا يزال يمثل عنصر جذب رئيسي
وقال أحمد كوتي، الخبير العقاري بشركة كولد ويل بانكر – دبي، إن منطقة البحر الأحمر تمثل وجهة استثمارية استراتيجية طويلة الأجل، مدعومة بمقومات طبيعية وسياحية واقتصادية استثنائية، متوقعًا أن تستمر الفرص بها لعقود مقبلة، خاصة مع تنامي اهتمام المستثمرين والمطورين المحليين والدوليين بالمنطقة.
وتابع: “منطقة البحر الأحمر تتميز بكونها وجهة قابلة للتشغيل السياحي والعقاري طوال العام، على عكس بعض المناطق الموسمية، ويرجع ذلك إلى المناخ المعتدل، والبنية التحتية المتطورة، وانخفاض تكاليف المعيشة مقارنة بوجهات عالمية أخرى”.
وأشار إلى أن دخول شركات كبرى مثل “طلعت مصطفى” و”إعمار مصر” لتنفيذ مشروعات متكاملة في المنطقة يعكس ثقة السوق بفرصها الواعدة، ويوفر دفعة قوية لجذب المزيد من رؤوس الأموال، سواء المحلية أو الأجنبية.
أضاف كوتي، أن المنطقة تحتاج إلى استراتيجية استثمار مختلفة تعتمد على الاستفادة من الشواطئ الممتدة والمزايا البيئية والطبيعية، إلى جانب تقديم تجارب عقارية وسياحية متكاملة تستهدف شرائح متنوعة، من بينها المتقاعدون والعاملون عن بُعد والسياح الأوروبيون الباحثون عن وجهات بأسعار تنافسية .
وأوضح أن تطور البنية التحتية في البحر الأحمر، سواء من حيث الطرق والفنادق والمطارات، أو من خلال الخدمات اليومية مثل المدارس والمستشفيات، يعزز من جاهزيتها لاستيعاب مشروعات عمرانية كبرى توفر وحدات سكنية وتجارية وسياحية وإدارية.
وأكد أن سعر المتر في البحر الأحمر سيكون أكثر تنافسية من مناطق مثل الساحل الشمالي، خاصة في ظل الطروحات المرتقبة من عدد من المطورين، وهو ما يجعلها خيارًا جذابًا للاستثمار العقاري على المدى المتوسط والطويل.
وتابع: “دخول شركات كبرى مثل إعمار لتنفيذ مجتمعات عمرانية متكاملة سيُحدث تحولًا كبيرًا في المشهد الاستثماري، ويخلق بيئة متكاملة تجمع بين السكن والعمل والترفيه، ما يدعم نمط الحياة المستدامة ويعزز من استقطاب الاستثمارات الأجنبية”.
كما أشار إلى أن التوسع في التعاون مع سلاسل فنادق عالمية سيضيف قيمة اقتصادية عالية للمشروعات، وسيسهم في رفع معدل الإشغال وزيادة العوائد الاستثمارية.
واستعرض كوتي أبرز المناطق الواعدة في البحر الأحمر، ومنها شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم وسوما باي وطابا ونويبع، مؤكدًا أن لكل منها طابعًا سياحيًا واستثماريًا خاصًا، ويمكن أن تلعب دورًا مكملًا في تنمية المنطقة ككل.
وتحدث عن مشروع رأس الحكمة، الذي تنفذه شركة مدن القابضة – أبوظبي، قائلاً: “هذا المشروع سيحدث نقلة نوعية في مفهوم التنمية الساحلية في مصر، ويمثل بداية لمرحلة جديدة من الاستثمارات الخليجية الواسعة النطاق في السوق المصري”.
أشار كوتي إلى أن ربط بعض المشروعات العقارية بسعر صرف الدولار أدى إلى تراجع مؤقت في الطلب من بعض المستثمرين الأجانب، لكن استمرار البيع بالجنيه المصري في مشروعات أخرى لا يزال يمثل عنصر جذب رئيسي، خاصة في ظل الفارق الكبير في القيمة.
وأوضح كوتي، أن أسعار العقارات في مصر – سواء السكنية أو التجارية أو الإدارية – ارتفعت في الوقت الحالي بنحو 30% عن قيمتها السوقية الحقيقية، نتيجة تقلبات سعر الصرف، وضعف آليات التقييم الشفاف في بعض الحالات، بالإضافة إلى ارتفاع معدل الفائدة على الإقراض، ما أدى إلى زيادة تكلفة التمويل العقاري على المطورين، وهو ما انعكس بدوره على أسعار البيع النهائية.
وشدد كوتي على أهمية تقديم حوافز قوية للمستثمرين تشمل تسهيلات ضريبية وجمركية للمطورين، وتقديم أسعار تنافسية في المراحل الأولى من التنمية، مؤكدًا أن هذه الإجراءات تُعد حاسمة في جذب رؤوس الأموال الأجنبية.
كما دعا إلى ضرورة تحديد المناطق المتاحة لتملك الأجانب بشكل واضح وشفاف، وتطوير البنية التحتية بشكل شامل، وتوفير كوادر بشرية مؤهلة في القطاعات الخدمية، لا سيما السياحة.
واختتم قائلاً: “القضاء على البيروقراطية في إصدار التراخيص وتنفيذ المشروعات يمثل أولوية قصوى، ومن المهم وجود آليات أكثر مرونة وسرعة في الإجراءات لضمان جذب وتحفيز الاستثمارات الكبرى في البحر الأحمر خلال المرحلة المقبلة”.