عاجل

ليلى السيد أيوب تكتب: ريادة الأعمال والقطاع المصرفي.. شراكة تصنع اقتصاد المستقبل 

في وقت نشهد فيه تغيرات متسارعة في التكنولوجيا وسلوك المستهلكين، لم تعد ريادة الأعمال رفاهية أو خيارًا محصورًا بالشركات الناشئة، بل أصبحت ضرورة أساسية لكل القطاعات، لا سيما القطاع المصرفي.

وتواجه البنوك ، اليوم ، تحديات كبيرة، من أبرزها المنافسة من شركات التكنولوجيا المالية الـ”FinTech”، وتغير توقعات العملاء، وتشديد اللوائح التنظيمية.

في خضم هذه التحديات، تبرز ريادة الأعمال كأداة استراتيجية لضمان النمو المستدام والقدرة التنافسية.

لكن ما ريادة الأعمال المصرفية؟

ريادة الأعمال في المجال المصرفي لا تعني فقط إطلاق منتجات جديدة، بل تشمل إحداث تغيير جذري في طريقة التفكير والتشغيل داخل المؤسسة.

إنها عقلية تدفع نحو التجريب، والمخاطرة المحسوبة، والبحث المستمر عن حلول جديدة تلبي احتياجات العملاء.

تشمل هذه الريادة:

• تطوير منصات رقمية تسهل تجربة المستخدم.

• اعتماد الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات.

• استخدام تقنيات “البلوك تشين” لتعزيز الأمان والشفافية.

• إعادة تصميم العمليات التقليدية لتصبح أكثر رشاقة ومرونة.

أهمية ريادة الأعمال في تطوير القطاع المصرفي

1. تحسين تجربة العميل

العميل اليوم أكثر وعيًا وارتباطًا بالتكنولوجيا، ويبحث عن خدمات مصرفية فورية وآمنة، وريادة الأعمال تمكن البنوك من توفير تجربة رقمية متكاملة تشمل:

• فتح حسابات بنكية عن بُعد.

• تنفيذ التحويلات خلال ثوانٍ.

• استلام إشعارات فورية بكل عملية.

هذه الابتكارات تعزز رضا العملاء وتزيد من ولائهم.

2. تعزيز الكفاءة التشغيلية

من خلال تطبيق التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والأتمتة، تتمكن البنوك من:

• تقليل التكاليف التشغيلية.

• تسريع معالجة الطلبات.

• تقليل الأخطاء البشرية.

كل ذلك ينعكس إيجابًا على أرباح البنك وقدرته على التوسع.

3. تعزيز الشمول المالي

في بعض الدول، لا يزال الملايين محرومين من الخدمات البنكية، وريادة الأعمال تقدم حلولًا للوصول إلى هذه الشرائح من خلال:

• خدمات القروض الصغيرة.

• المحافظ الرقمية.

• نقاط بيع متنقلة في المناطق الريفية.

وهذا لا يحقق فقط عوائد اقتصادية، بل يساهم أيضًا في التنمية المجتمعية.

دور الـ FinTech في دعم ريادة الأعمال المصرفية

شركات التكنولوجيا المالية باتت حليفًا مهمًا، وأحيانًا منافسًا شرسًا للبنوك، لكنها أيضًا فرصة عظيمة لإعادة تعريف الخدمات البنكية.

إذ تساهم الـ FinTech في تقديم خدمات دفع مرنة وسريعة مثل Apple Pay وGoogle Pay، وإتاحة القروض الرقمية بدون الحاجة لزيارة الفرع، وكذلك استخدام خوارزميات لتحليل سلوك العملاء وتقديم عروض مخصصة.

فالتكامل بين البنوك وشركات FinTech هو مفتاح التحول البنكي القادم.

القيادة ودورها في دعم الريادة

لن تنجح أي مبادرة ريادية داخل بنك ما لم تدعمها الإدارة العليا، فالقيادة تلعب دورًا محوريًا في خلق بيئة عمل تشجع على الابتكار، ومنح الموظفين حرية التجربة والفشل الآمن.

وكذلك تخصيص موارد مالية وبشرية لمشاريع ريادية، فالقادة الذين يمتلكون رؤية واضحة وقدرة على اتخاذ قرارات شجاعة، هم من يرسخون ثقافة ريادة الأعمال.

التحديات التي تواجه تبني الريادة في البنوك

رغم أهمية الريادة، تواجه البنوك عدة معوقات، منها:

• مقاومة التغيير من قبل بعض الموظفين.

• تعقيد البنية التنظيمية.

• نقص الكفاءات المتخصصة في التكنولوجيا.

• القوانين الصارمة التي قد تقيد الابتكار.

لكن يمكن التغلب على هذه التحديات عبر استراتيجيات تدريب مرنة، وتبني نماذج تشغيل أكثر انفتاحًا، وبناء شراكات مع رواد التكنولوجيا.

ريادة الأعمال لمواجهة التغيرات والتحديات

ريادة الأعمال ليست مجرد ترف فكري، بل ضرورة تفرضها التحولات التالية:

التغيرات التشريعية: تتطلب مرونة عالية في تطوير المنتجات والخدمات.

منافسة الشركات الناشئة: تستدعي سرعة في التفاعل مع السوق.

تحولات العملاء الرقمية: تستوجب تقديم تجربة مصرفية رقمية متقدمة.

البنوك التي تتبنى الريادة تكون أكثر قدرة على التكيف، والمنافسة، والنجاح على المدى الطويل.

أمثلة واقعية على ريادة الأعمال في القطاع البنكي

1. بنك N26 الأوروبي

بنك رقمي بالكامل دون فروع، يوفر تجربة مصرفية مرنة، ويقلل التكاليف التشغيلية بشكل ملحوظ.

2. JPMorgan Chase

اعتمد تقنية “البلوك تشين” لتحسين كفاءة التحويلات المالية الدولية، وتقليل الزمن والتكلفة.

3. استخدام الذكاء الاصطناعي

تستخدم بعض البنوك AI لتقديم استشارات مالية مخصصة، ولتحليل مخاطر القروض بدقة، ما يسهم في تقليل نسب التعثر.

البنوك الرقمية Digital Banking

في عصر التحوّل الرقمي، لم تعد الشركات الناشئة مجرّد مشاريع صغيرة تحاول أن تجد لنفسها مكانًا في السوق، بل أصبحت ركيزة أساسية في دفع عجلة الاقتصاد المصرى.

وبالتالي يبرز دور البنوك الرقمية التي باتت شريكًا حقيقيًا لهؤلاء الروّاد، بما تقدّمه من حلول مالية ذكية، سريعة، ومرنة.

هذه العلاقة المتنامية بين الشركات الناشئة والبنوك الرقمية لا تصبّ في مصلحة الطرفين فقط، بل تعود بالنفع على الاقتصاد ككل، من خلال دعم الابتكار، وتوفير فرص العمل، وتحفيز النمو.

إنها شراكة بين الطموح والإمكانيات المتاحة لتصنع مستقبلًا اقتصاديًا أكثر حيوية و مرونة .. لكن ما الذي يجعل البنوك الرقمية و مجال Fintech عنصرًا جذابًا للشركات الناشئة؟

الإجابة بسيطة: المرونة والسرعة والتكلفة المنخفضة، فعلى عكس البنوك التقليدية، لا تفرض البنوك الرقمية الكثير من الإجراءات الروتينية أو المتطلبات المعقدة.

فتح حساب لشركة ناشئة قد لا يتطلب أكثر من دقائق عبر تطبيق ذكي بالموبايل، بينما كانت هذه العملية تستغرق أيامًا في البنوك التقليدية.

كما توفّر هذه البنوك أدوات تحليل مالي، وربط مباشر بمنصات الدفع الالكترونية وإمكانيات لتتبع الإيرادات والمصروفات لحظة بلحظة.

كل ذلك يساعد رائد الأعمال على التركيز على تطوير مشروعه بدلًا من الانشغال بأعباء المحاسبة والتمويل.

أما عن الجانب الاقتصادي، فحين تجد الشركات الناشئة بنية مالية تدعمها وتسهل نموّها، فإن النتائج تنعكس مباشرة على الاقتصاد من خلال :

• زيادة فرص العمل، إذ تنمو المشاريع وتوظّف مزيدًا من الكفاءات.

• دفع عجلة الابتكار في مختلف القطاعات، من التكنولوجيا إلى الصحة والتعليم.

• تشجيع المشاريع متناهية الصغر والحرفية للدخول بالاقتصاد الرسمى لزيادة فرصهم في التوسع والحصول علي حلول تمويلية ميسرة.

ببساطة، كل شركة ناشئة تُمنح فرصة عادلة للنمو، قد تتحوّل إلى قصة نجاح تُحدث فرقًا حقيقيًا في السوق المحلي أو حتى الإقليمي.

ويمكن للبنوك النجاح في تبني ريادة الأعمال من خلال تعزيز ثقافة الابتكار من خلال ورش عمل ومساحات إبداع.

والاستثمار في التكنولوجيا وعدم الاكتفاء بتحديث الأنظمة فقط، وبناء شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا المالية، بالاضافة إلى التركيز على تدريب الكوادر لتمتلك مهارات العصر الرقمي.

وختامًا أؤكد مجدداً أن ريادة الأعمال في القطاع المصرفي لم تعد ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة استراتيجية للبقاء في ساحة المنافسة، في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا وتتغير فيه سلوكيات العملاء بشكل جذري، تحتاج البنوك إلى تجديد نماذج أعمالها وتوسيع آفاقها.

فقط عبر الابتكار، والريادة، والشراكة الفعالة، يمكن للمصارف أن تتحول من مؤسسات تقليدية إلى محركات تنموية واقتصادية حقيقية في المجتمع.

العلاقة بين البنوك الرقمية والشركات الناشئة لم تعد خيارًا إضافيًا، بل أصبحت ضرورة اقتصادية. فكلّما اقتربت التكنولوجيا من عالم التمويل، كلّما أصبح الطريق أسهل أمام الأفكار لتتحوّل إلى إنجازات. ويبقى السؤال الأهم: هل البنوك مستعدة لتفهّم عقلية رائد الأعمال؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى