قطاع الوساطة المالية على أعتاب نقلة نوعية بدعم من الذكاء الاصطناعي

في وقتٍ يشهد فيه العالم تحولًا جذريًا نحو أدوات الذكاء الاصطناعي، يقف قطاع الوساطة المالية في مصر على أعتاب نقلة نوعية تفرضها التكنولوجيا الجديدة، وسط تساؤلات حول قدرة الشركات المحلية على اللحاق بركب التطور، وتأثير هذه الموجة على شكل الوظائف وأداء السوق.
ويرى خبراء سوق المال أن دخول أدوات الذكاء الاصطناعي إلى قطاع السمسرة لم يعد خيارًا، بل ضرورة للبقاء في سباق المنافسة، لاسيما في ظل تنامي دور التطبيقات الرقمية وتغير سلوك المستثمرين، خاصة الفئات الشابة التي باتت تعتمد على التكنولوجيا في اتخاذ قراراتها الاستثمارية.
المصري: عدم الوعى التحدى الأكبر أمام التحول التكنولوجى
وأكد ياسر المصري، العضو المنتدب لشركة العربي الأفريقي لتداول الأوراق المالية، أن السوق المصري مستعد لهذه النقلة سواء من حيث التشريعات أو ضخ الاستثمارات في البنية التحتية التكنولوجية.
وأضاف المصري، أن دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي سيساهم بشكل واضح في تعزيز دقة التحليلات والتوصيات الاستثمارية، لكنه شدد في الوقت ذاته على استمرار أهمية العنصر البشري، خصوصًا في عمليات التقييم العميق واتخاذ القرار، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي أداة قوية، لكنها لا تُغني عن الخبرة البشرية.
ولفت المصري، إلى أن أبرز التحديات التي تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي في شركات الوساطة تكمن في ضعف الوعي بأهمية هذه النقلة النوعية، سواء على مستوى المؤسسات أو الأفراد العاملين بالقطاع.
وأضاف أن هذه التكنولوجيا سيكون لها تأثير كبير على تحسين الكفاءة داخل الشركات، بما قد يقلل الاعتماد على بعض الوظائف التقليدية، دون أن يؤدي إلى الاستغناء الكامل عن العنصر البشري.
يعقوب: تشريعات الرقابة المالية واكبت التطور مبكرًا
ومن جانبها، قالت رانيا يعقوب، العضو المنتدب لشركة ثري واي لتداول الأوراق المالية، إن التحول الرقمي الذي يشهده قطاع الخدمات المالية، وعلى رأسه الذكاء الاصطناعي، سيكون له تأثير جذري على نشاط السمسرة في الأوراق المالية، مشيرة إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية كانت من الجهات السباقة في التحرك نحو تنظيم هذا التحول.
وأضافت يعقوب، أن الهيئة سمحت بالفعل بدخول تطبيقات التكنولوجيا المالية، ما مهّد الطريق أمام استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة، منها خدمات “الروبو أدڤايزري” في مجال إدارة الأصول، والتحليلات الفنية والمالية، إذ بدأ عدد من المحللين يعتمدون على هذه الأدوات في إصدار التوصيات الاستثمارية بناءً على فرضيات محددة يقوم النظام بتحليلها واستخراج أفضل البدائل للأسهم التي تناسب احتياجات المستثمرين.
ورجّحت يعقوب أن يشهد القطاع طفرة كبيرة في استخدام الذكاء الاصطناعي خلال الفترة المقبلة، ليس فقط في نشاط السمسرة، بل في جميع أنشطة سوق المال، بدءًا من إدارة المحافظ والتحليل الفني والمالي، وحتى التفاعل مع العملاء من خلال تطبيقات إلكترونية أكثر تطورًا.
وفيما يتعلق بتأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، قالت يعقوب إن هذه التكنولوجيا ستؤدي إلى تقليص عدد كبير من الوظائف التقليدية، نظرًا لقدرة الأنظمة على أداء المهام بكفاءة أعلى، وتكلفة ووقت أقل، لكنها شددت على أن هناك في المقابل فرصًا جديدة ستنشأ، وأن على العاملين في القطاع تطوير قدراتهم للتعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي، إذ إن الاستخدام الأمثل لتلك الأدوات لن يتم إلا من خلال كوادر بشرية قادرة على إدخال الفرضيات الصحيحة وقراءة النتائج بشكل احترافي.
ورغم التطور الذي تشهده أدوات الذكاء الاصطناعي، أكدت يعقوب أن العنصر البشري مازال أساسيًا في عملية التحليل، لأنه هو من يُدخل الفرضيات التي تُبنى عليها التوصيات، مشيرة إلى أن هذه الكوادر يجب أن تكون “متطورة رقميًا”، وقادرة على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال.
أشاد الخبراء بإجراءات الهيئة العامة للرقابة المالية، التي سمحت بإدخال أدوات التكنولوجيا المالية إلى السوق، ووضع إطار تشريعي واضح لاستخدام الذكاء الاصطناعي في القطاع غير المصرفي.
ويذكر أن الهيئة العامة الرقابة المالية أطلقت في العام الماضي برنامج “روبو أدفايزور” وتعمل على إدخاله في مجال صناديق الاستثمار وإدارة الأصول، وهو نظام إلكتروني يقدم استشارات مالية آلية لتكوين وإدارة محافظ الاستثمار باستخدام الذكاء الاصطناعي، ويهدف إلى تحسين كفاءة قرارات الاستثمار وزيادة الشمول المالي في القطاع.
مسعود: التعامل مع الذكاء الاصطناعي بات حتميًا
قال محمد فاروق مسعود، العضو المنتدب لشركة جلوبال إنفست لتداول الأوراق المالية، إن التحول نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي في قطاع السمسرة بات أمرًا حتميًا، في ظل التطورات العالمية وسلوك الأجيال الجديدة التي اعتادت تنفيذ أغلب تعاملاتها عبر التطبيقات الرقمية.
ورغم الجاهزية على مستوى البنية التشريعية، يظل الجانب المالي تحديًا رئيسيًا. يرى مسعود أن تكلفة تطبيق نظم الذكاء الاصطناعي المتقدمة قد تصل إلى 45 ألف دولار مبدئيًا، إلى جانب تكاليف التشغيل المستمرة، ما يجعلها عبئًا على الشركات الصغيرة.
وأوضح مسعود، أن السوق المصري مؤهل تقنيًا للتحول الرقمي في مجال السمسرة، بدعم من خبرة العملاء الممتدة مع التطبيقات الذكية، لا سيما في الفئات العمرية الشابة، التي أصبحت تعتمد بالكامل على تطبيقات الهاتف المحمول في تسيير حياتها اليومية، بما في ذلك تنفيذ عمليات الشراء والاستثمار.
وأضاف أن شركات السمسرة عالميًا باتت تعتمد على نموذج يقوم على التطبيقات الإلكترونية فقط، دون الحاجة إلى مقرات أو تدخل بشري مباشر، مشيرًا إلى أن دمج أدوات الذكاء الاصطناعي في هذه التطبيقات أصبح واقعًا، إذ تتيح للمستثمر إدخال أهدافه الاستثمارية، ليقوم النظام بترشيح الأسهم التي تتوافق مع تلك الأهداف، مؤكدًا أن “من لا يواكب هذا التحول سيتخلف عن ركب المنافسة”.
وفيما يخص البيئة التشريعية، قال مسعود، إن التعديلات الأخيرة الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة المالية وضعت إطارًا واضحًا ومنظمًا لاستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في القطاع المالي غير المصرفي، بما يشمل شركات السمسرة.
لكنه أشار إلى أن البنية التحتية على مستوى الشركات مازالت بحاجة إلى مزيد من الدعم، موضحًا أن تكلفة تطبيق نظم ذكاء اصطناعي متقدمة قد تتجاوز 45 ألف دولار في البداية، إلى جانب التكاليف التشغيلية المستمرة، وهو ما يمثل تحديًا أمام عدد من الشركات، حتى مع وجود بعض صناديق دعم الابتكار.
وعن تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل داخل شركات السمسرة، أوضح مسعود أن التكنولوجيا ستؤدي إلى تقليص عدد كبير من وظائف خدمة العملاء ومديري الحسابات، فيما ستظل بعض الوظائف مثل المحاسبة وإدارة العمليات قائمة.
وأشار إلى أنه من المتوقع أن تنشأ وظائف جديدة في إدارات تكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، ما يتطلب من الشركات إما تعيين كوادر جديدة أو إعادة تأهيل العاملين الحاليين للانتقال إلى هذه الإدارات.
وبشأن دور الذكاء الاصطناعي في التحليل المالي والفني، أكد مسعود أن هذه الأدوات أصبحت قادرة على تقديم نتائج دقيقة بناءً على المعادلات والمعطيات المدخلة، لكنها لن تلغي تمامًا الحاجة للعنصر البشري في التقييم النهائي واتخاذ القرار الاستثماري.
وأكد الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي لن يُلغي الوظائف البشرية بالكامل، لكنه سيقلص عدد العاملين في المهام الروتينية مثل خدمة العملاء، مقابل بروز وظائف جديدة في مجالات التكنولوجيا والتحليل الذكي.
بينما على مستوى التحليل المالي والفني، يرى الخبراء أن الذكاء الاصطناعي قادر على تعزيز الدقة وسرعة المعالجة، لكنه لا يُغني عن الخبرة البشرية في التقييم النهائي.
المراغي: السوق المصري جاهز لاستخدام الآليات الجديدة في السمسرة
وقال شوكت المراغي، العضو المنتدب لشركة بلتون لتداول الأوراق المالية، إن السوق المصري بات مستعدًا من حيث البنية التحتية والتشريعية لاستيعاب التحول الرقمي في قطاع السمسرة، لاسيما بعد حصول عدد من شركات الوساطة على التراخيص اللازمة لتطبيقات التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي.
وأضاف المراغي، أن استصدار التراخيص الجديدة من الهيئة العامة للرقابة المالية يعكس جاهزية البيئة التشريعية لدعم هذا التحول، كما أن بدء بعض الشركات في تجهيز بنيتها التكنولوجية يؤكد توافر البنية التحتية الأساسية.
وأوضح أن التحدي الأبرز أمام هذا التحول يتمثل في التكلفة المرتفعة لتطوير البنية التكنولوجية، والتي قد تمثل عبئًا على بعض شركات الوساطة ذات الإمكانيات المحدودة، وهو ما قد يخلق فجوة بين الشركات القادرة على الاستثمار في التكنولوجيا وتلك التي لا تملك نفس المرونة المالية.
لكنه أشار إلى أن تلك الفجوة ستدفع بعض الشركات لمزاولة نشاطها بشكل تقليدي كما هو الحال اليوم، دون الحصول على جميع التراخيص المتاحة، نتيجة لظروفها أو قدرتها على تحمل تكاليف التطوير.
وأكد المراغي أن الذكاء الاصطناعي لن يُلغي الوظائف البشرية في شركات السمسرة، بل سيسهم في تحسين الكفاءة التشغيلية، حيث يمكن من خلاله تنفيذ عمليات أكبر بنفس عدد الموظفين، وتسريع الإجراءات الروتينية التي كانت تستهلك وقتًا وجهدًا من فرق العمل.
وفيما يخص تأثير الذكاء الاصطناعي على دقة التوصيات والتحليلات، أوضح المراغي أن هذه الأدوات قد تعزز من كفاءة التحليل، لكنها لا تُغني عن العنصر البشري بالكامل، مؤكدًا أن التعامل مع البيانات المالية والأسواق لا يزال يتطلب الخبرة البشرية إلى جانب الأدوات التقنية.