رهان على توسعات الساحل الشمالي لإنعاش المقاولات ومواد البناء

تشهد منطقة الساحل الشمالي ورأس الحكمة تحركًا استثماريًا ملحوظًا خلال الفترة الحالية، مع الإعلان عن خطط توسع ضخمة لمشروعات سياحية وسكنية جديدة، في إطار استراتيجية الشركات لتعزيز التنمية الشاملة بالمناطق الساحلية وجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية.
ويرى مطورون ومصنعون بالسوق، أن هذه التوسعات المتسارعة ستسهم بشكل مباشر في تنشيط قطاع المقاولات ورفع الطلب على مواد البناء والتشطيبات، وسط توقعات بزيادة حجم الأعمال في المشروعات القائمة والجديدة خلال النصف الثاني من العام الحالي.
قال المهندس محمد سامي سعد، رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، إن موجة التوسعات المتسارعة التي تشهدها منطقة الساحل الشمالي ورأس الحكمة حاليًا تمثل دفعة قوية ومباشرة لقطاع المقاولات، متوقعًا أن تنعكس بشكل ملموس على زيادة حجم الأعمال ونشاط شركات المقاولات خلال الفترة المقبلة.
أضاف أن أي مشروعات جديدة تدخل حيز التنفيذ سواء في الساحل الشمالي أو رأس الحكمة سيكون لها أثر مباشر في تحريك القطاع وانتعاشه، خصوصًا مع وجود مشروعات تكميلية وأعمال بنية تحتية وتصالحات عقارية تُجرى حاليًا، وجميعها تصب في صالح شركات المقاولات العاملة بالسوق.
وأكد سعد أن الصورة اختلفت في المشروعات الجديدة مقارنة بما كان يحدث سابقًا في مشروعات قومية مثل «حياة كريمة» أو “الإسكان الاجتماعي”، إذ كانت تشارك فيها أعداد كبيرة جدًا من الشركات المتوسطة والصغيرة إلى جانب الكيانات الكبرى، بينما في توسعات الساحل ورأس الحكمة سيتوقف حجم المشاركة على طبيعة الطروحات التي سيعلنها المطورون العقاريون والمستثمرون.
وأشار إلى أن المطورين العقاريين والقطاع الخاص يميلون إلى التعاقد مع شركات مقاولات تمتلك ملاءة مالية قوية، وهياكل تنظيمية وفنية متقدمة، بما يضمن تنفيذ الأعمال بجودة مرتفعة والتزام بالمواعيد النهائية، وهو ما قد يقلل نسبيًا من فرص الشركات الصغيرة غير المؤهلة فنيًا أو ماليًا للدخول في المنافسة.
اقرأ أيضا: “إعمار مصر” تفتتح فندقًا في الساحل الشمالي باستثمارات 9 مليارات جنيه
وتابع :” نموذج التعاقد أيضًا له دور حاسم، فإذا كانت المشروعات بنظام التمويل المباشر من المطور العقاري، فهذا سيمنح المقاولين سيولة أفضل تمكنهم من تقديم أسعار أكثر تنافسية، أما إذا تم الطرح وفق نظام التصميم والتنفيذ والتمويل فستحتاج الشركات للبحث عن تمويل بنكي أو شراكات مالية، وهو ما قد يؤدي إلى رفع سعر تنفيذ المتر المربع في المشروع”.
قال سعد، إن شركات المقاولات الكبيرة تعتمد عادة على مستحقاتها لدى العملاء ولا تلجأ للاقتراض إلا في حالات استثنائية، خاصة عند الحاجة لاستيراد مكوّنات أو خامات معينة، مضيفًا أن المطورين الكبار والشركات الخليجية المتحالفة مع هيئات رسمية مثل هيئة المجتمعات العمرانية يتمتعون بملاءة مالية كافية تتيح لهم السداد المنتظم للمستحقات، وهو ما يقلل من حاجة المقاولين للاقتراض.
يوسف: مشروع رأس الحكمة سيخلق طلبًا جديدًا.. لكنه سيظل أقل من المشروعات القومية
وقال المهندس شمس الدين يوسف، عضو مجلس إدارة اتحاد مقاولي التشييد والبناء والعضو المنتدب لشركة الشمس للمقاولات، إن موجة التطوير الجارية في مشروعات الساحل الشمالي ورأس الحكمة تُعد توجهًا استثماريًا مهمًا سيسهم في تحريك القطاع، لكنها لن تصل إلى مستوى الطفرة الاستثنائية التي شهدتها السوق المصرية خلال السنوات العشر الماضية.
وأوضح يوسف، أنه خلال العقد الماضي شهد القطاع حجمًا ضخمًا من المشروعات القومية امتد ليشمل كل أنحاء الجمهورية من تطوير طرق ومحاور رئيسية، ومشروعات إسكان قومي، وموانئ، إلى جانب استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وكل ذلك بدفع مباشر من الدولة لتحريك عجلة الاقتصاد بشكل سريع، وهي طفرة غير قابلة للتكرار بنفس المستوى.
أضاف أن مشروع رأس الحكمة يمثل حالة مختلفة بطبيعته، إذ تخطط له شركة مدن الإماراتية وفق استراتيجية تطوير طويلة الأجل تمتد لعشرين عامًا.
وأشار إلى أن حجم العمل في رأس الحكمة سيخلق طلبًا جديدًا في القطاع وسيكون له أثر إيجابي، لكنه سيظل أقل كثيرًا مقارنة بحجم المشروعات القومية الواسعة التي شملتها خطط الدولة في السنوات الماضية.
وبشأن استفادة الشركات المختلفة من هذه التوسعات، أوضح يوسف أن الانتعاش عادة يشمل كل أطراف القطاع وليس الشركات الكبرى فقط، مُشيرًا إلى أن الشركات الكبيرة مثل “أوراسكوم” تعتمد دائمًا على منظومة من شركات المقاولات المتوسطة والصغيرة كمقاولي الباطن، وهو ما يجعل حركة السوق تمتد تلقائيًا لجميع المستويات.
أضاف أن شركات المقاولات الكبرى قد تحتفظ بهياكل إدارية وهندسية قوية، لكنها تعتمد في التنفيذ على عشرات الشركات الأصغر التي تتولى الأعمال المتخصصة مثل أعمال النجارة والحدادة والتشطيبات، وبالتالي فإن أي نشاط جديد في السوق يكون له أثر مباشر على مختلف أحجام الشركات العاملة.
وحول أساليب تمويل المشروعات، أشار يوسف إلى أن الأمر يعتمد على الملاءة المالية للشركة وطبيعة التعاقدات، موضحًا أن الشركات التي تحتفظ بسيولة نقدية من أرباح مشروعات سابقة غالبًا ما تنفذ تعاقداتها دون الحاجة للاقتراض، بينما الشركات التي ترغب في توسيع أعمالها قد تلجأ للحصول على تسهيلات ائتمانية أو قروض من البنوك لتغطية التزاماتها.
أضاف أن البنوك عادة ما ترحب بتمويل شركات المقاولات الجادة خاصةً في ظل حركة التطوير الكبيرة الجارية بالساحل الشمالي ورأس الحكمة، ولا تضع عقبات أمام التمويل طالما توفر لدى الشركة تاريخ مالي قوي وخبرة مثبتة في تنفيذ مشروعات مماثلة.
مرشدي: الامتداد العمراني غربًا يفتح فرصًا كبيرة
وقال ممدوح مرشدي، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، إن الساحل الشمالي ظل لسنوات يعتمد على موسم صيفي قصير يمتد ثلاثة أشهر فقط، لكن الرؤية الحالية تركز على إنشاء مجتمعات عمرانية وسياحية تعمل طوال العام، بما يشبه نموذج المدن المتكاملة في الغردقة وشرم الشيخ والجونة.
وأكد أن الامتداد العمراني غربًا، وصولًا حتى مناطق قريبة من الحدود الليبية، يفتح فرصًا كبيرة للقطاع، خاصة مع دخول شركات إماراتية تمتلك رؤوس أموال ضخمة وتخطط لمشروعات طويلة الأجل، مضيفًا أن الهدف لم يعد إنشاء قرى سياحية موسمية فقط، بل بناء مدن كاملة تحتوي على مطارات ومستشفيات وفنادق ومنشآت خدمية تستقطب سياحة دولية وليس فقط السياحة الداخلية.
وأوضح مرشدي ، أن الساحل الشمالي يتمتع بمقومات طبيعية كبيرة لم تستغل بالكامل حتى الآن، خاصة في مناطق مثل رأس الحكمة التي وصفها بأنها «بكر» وتمتد على مساحة واسعة جدًا تصل إلى 44 ألف فدان، مشيرًا إلى أن أولى مراحل التطوير بدأت بمساحة 2000 فدان فقط كخطوة أولى.
أضاف أن الميزة الجوهرية هي أن الساحل الشمالي يواجه الرياح الشمالية الغربية مباشرة، ما يمنحه مناخًا ألطف من وجهات سياحية منافسة مثل تركيا أو اليونان شمال البحر المتوسط، وهو ما يجعله مؤهلًا لجذب سياحة أوروبية على مدار العام.
قال مرشدي، إن الشركات المطورة حاليًا تبتعد عن فكرة بيع الوحدات للمصريين بغرض الاستخدام ثلاثة أشهر فقط، وتسعى بدلًا من ذلك لإقامة فنادق ومنشآت سياحية تجعل الإشغال مستمرًا طوال السنة.
كما أن نمط التطوير الجديد في الساحل الشمالي، والذي يعتمد على الاستثمارات الأجنبية والتمويل الخارجي، يوفر سيولة أفضل تقلل من الأزمات التقليدية التي واجهت بعض المطورين المصريين، وبالتالي سيسهم في استقرار تنفيذ المشروعات وعدم توقف الأعمال بسبب نقص التمويل.
عبد المجيد: المشروعات الجديدة تصل بالطلب على السيراميك للذروة 2026
وقال بهاء عبد المجيد، رئيس مجلس إدارة شركة سيراميكا آرت، ، إن المشروعات العمرانية الجديدة الجارية فى الساحل الشمالي، وفى مقدمتها مشروع رأس الحكمة، من المتوقع أن تمثل قوة دفع كبيرة لسوق السيراميك خلال السنوات المقبلة، مع ارتفاع الطلب الناتج عن التوسع العمرانى وتطوير المجتمعات السكنية والسياحية المتكاملة.
وأوضح أن الطلب على السيراميك عادة ما يتزايد بشكل ملحوظ خلال المراحل النهائية من تنفيذ المشروعات العقارية، خاصة مرحلة التشطيبات، ما يفتح الباب أمام المصنعين لتحقيق معدلات نمو أعلى بالتوازي مع معدلات الإنجاز فى مواقع المشروعات الكبرى.
وتوقع عبد المجيد أن يبلغ قطاع السيراميك ذروة انتعاشه بحلول عام 2026، فى ظل استمرار العمل بمراحل التنفيذ المختلفة لمشروعات الساحل الشمالى ومناطق أخرى، لافتًا إلى وجود مؤشرات إيجابية لبدء نمو تدريجى اعتبارًا من العام المقبل.
أضاف أن شركات السيراميك المصرية تستثمر بشكل متواصل فى تحديث خطوط الإنتاج وتبنى أحدث التقنيات والابتكارات العالمية فى التصنيع، بهدف تلبية الطلب المتزايد وتحقيق تنوع فى المنتجات يتماشى مع احتياجات السوق العقارى والمشروعات السياحية الجديدة.
الغزالي: أعمال البنية التحتية والفنادق والمطارات ستنعكس إيجابًا على مختلف الصناعات المغذية
وقال عبدالله الغزالى، رئيس مجلس إدارة مجموعة الغزالى جروب للإنشاءات المعدنية وتشغيل المعادن، ، إن المجموعة تواصل المشاركة بفاعلية فى تنفيذ المشروعات القومية الكبرى التى تشرف عليها الحكومة، مؤكدًا أن توسع الدولة فى تطوير الساحل الشمالى ومشروعات مثل رأس الحكمة يمثل فرصة مهمة لنمو أعمال الشركات العاملة فى مجالات الصناعات المعدنية والإنشاءات.
أضاف الغزالي أن مصنع المجموعة المتخصص فى إنتاج الإنشاءات المعدنية والمدنية ينتج حاليًا نحو ألف طن سنويًا من الحديد، مشيرًا إلى وجود خطة توسعية خلال العام المقبل تستهدف زيادة الطاقة الإنتاجية، بما يتماشى مع الطلب المتصاعد الناتج عن المشروعات العقارية والاستثمارية الجديدة.
وأوضح أن المشروعات الجارية فى مناطق مثل رأس الحكمة والساحل الشمالى لا تقتصر فقط على البناء، بل تمتد لتشمل أعمال البنية التحتية والفنادق والمطارات والمرافق الخدمية، وهو ما ينعكس إيجابًا على مختلف الصناعات المغذية وفى مقدمتها الحديد والخرسانة الجاهزة والسيراميك.
أكد الغزالى أن الحكومة المصرية تتبنى رؤية طموح لدعم القطاع العقاري وتحويل مشروعات الساحل الشمالي إلى مجتمعات عمرانية مستدامة تعمل طوال العام، وليس مجرد قرى صيفية موسمية، موضحًا أن هذه الرؤية تحفز القطاع الصناعي بالكامل وتدعم الطلب المستقر على منتجات الحديد والإنشاءات المعدنية، وتوفر فرص نمو ملموسة للشركات المصرية.